Ayoub Massoudi
لا شيء أخطر على الثورة التونسية من كلل الثوار نفسهم واستقالتهم وعزوفهم عن التصدي لقوى الردة المتعددة واستسلامهم للإحباط. كيف لا والتونسي يعيش حالة من الإرهاق السياسي الناتج عن التدفق المجنون للمعلومات المتناقضة والمتشائمة من كل حدب وصوب؟
1- كيف لا والإعلام مقيد ومسير، مسيس ومتردد، ينتقى فيه مقدم الأخبار والمحاور والسؤال والجواب، والجائز والمحظور، وويل لمن تسول له نفسه من الصحفيين أخذ أدنى حيز من الجرأة في سؤال مسؤول؟ كأن الثورة لم تكن؟ كيف لا وبعض وسائل الإعلام إن لم نقل جلها، خاصة كانت أم عامة، امتهنت الثلب والقذف والافتراء ضد كل من لا ينساق وراء أجنداتها الأيديولوجية من الأحزاب والأشخاص؟ كيف لا وآلاف الملايين تضخ في القنوات الخاصة لتمرير نفس الأجندات الأيديولوجية الإقصائية واضعة التونسي أمام خيارين، إخوانجي أو حداثي؟ بعيدة في ذلك كل البعد عن الأهداف السامية للثورة ومشاغل التونسي المتعطش للحقيقة والصراحة بعد أن سئم الكذب والتزييف لعقود.
2- كيف لا والقضاء مكبل؟ كيف لا والشعب يرى أشرافه يقادون بالسلاسل وراء القضبان مقابل ترقية المجرمين والقتلة؟ كيف لا وسمير الفرياني يسجن في ظروف غامضة وبسرعة البرق بينما يكلف قاض واحد بثلاثين قضية في الفساد المالي والسياسي من أخطر القضايا وأكثرها تعقيدا وأهمية في تفكيك جهاز الفساد الذي ميز نظام المخلوع؟ كيف لا وكل من وزارتي العدل والداخلية تتقاذفان التهم بالتقصير والتباطؤ في المحاسبة والملاحقة في مسرحية سقيمة السيناريو ورديئة التمثيل؟ كيف لا وأمن مطاراتنا فتح الأبواب على مصراعيها لهروب أزلام بن علي؟ “إذهبوا فأنتم الطلقاء”.
3- كيف لا والشعب لم يسترجع بعد جهازه الأمني الذي سرقه منه بورقيبة بعد أن أسس وزارة الداخلية على عقيدة حماية النظام من المواطن بدل حماية المواطن ليأتي بن علي ويستبدل ذلك مبما هو أدهى ألا وهو حماية المافيا من المواطن بدل حماية المواطن من المافيا. كيف لا والتعذيب والتنكيل والاعتداء لم يزولوا منالسجون ومخافر الشرطة؟ كيف لا ورجل الأمن لم يفهم بعد أنه ضحية نظام أذله واستغله ثم تركه يواجه مصيره لوحده؟
4- كيف لا وبعض الأحزاب السياسية إختارت التخلي عن الثورة لتنحاز إلى المال متحولة في ذلك من تنظيمات سياسية إلى شركات تجارة ومقاولة؟ كيف لا وهم يعطون أسوء مشهد عن العمل السياسي وعن مفهوم الحزب السياسي مفوتين في ذلك فرصة المصالحة مع الشعب بعد الثورة ومعمقين الفجوة الفاصلة بينهم وبين المواطن؟ كيف لا وبعض الأحزاب التي لا صلة لها بالثورة تظهر علينا كالفطر مدججة بأموال خيالية تصرفها في الإشهار وشراء الذمم والانخراط
ات وحتى دور الصحف ؟
لسائل أن يسأل وما مبعث الأمل أمام هذه الصورة القاتمة؟
الأمل يكمن في ولادة الشعب التونسي يوم 17 ديسمبر 2011. لم ير التونسي، على الأقل من بني جيلي، ذلك التلاحم والإنصهار بين بني الوطن الواحد ضد آلة القهر، ضد الموت، من أجل الكرامة أو… الموت. إن في ذلك لمبعثا كبيرا على الأمل والاعتزاز. لا تيأس يا شعبي العظيم ولا تكل. ما قيمة سبعة أشهر من الأرق والحمى عاناها الشعب منذ 14 جانفي أمام تضحيات الشهداء وويلات ما ينتظر أبناءنا وكل الأجيال القادمة إذا ما فشلنا؟ لا مفر لنا من الأمل، لا مفر لنا من الإنتصار الذي كتبنا صفحته الأولى يوم 14 جانفي برحيل الديكتاتور ثم في القصبة 2 عندما فرضنا المجلس التأسيسي ورحيل الغنوشي!
لا مفر من الأمل في إصلاح المنظومة الإعلامية وتحررها من الداخل ليرفض أشراف المهنة، والذين يمثلون الأغلبية الساحقة، الخضوع والانبطاح. على أشراف المهنة تقدير المسؤولية الموكولة على عاتقهم في إنجاح المسار الديمقراطي عبر كشف الحقائق وفضح الفساد وتوضيح الرؤية للمواطن بكل استقلالية ونزاهة حتى يتسنى للتونسي الإختيار بكل حرية.
لا مفر من الأمل في إنتصار أشراف القضاة على الفاسدين منهم وتحررهم من وصاية السلطة التنفيذية والإدارة ليشرع القضاء في محاسبة المجرمين والمفسدين ورد الحق والاعتبار إلى الشعب المقهور
لا مفر من أمل إصلاح المنظومة الأمنية عبر تطهير يقوم به أعوان الأمن نفسهم ضد كبار المسؤولين في وزارة الداخلية ليضرب بذلك رجال الأمن عصفورين بحجر واحد : إصلاح أكبر مؤسسات الفساد في البلاد والمصالحة مع الشعب.
لا مفر من أمل أن تثوب الطبقة السياسية إلى رشدها لتدرك أولويات الساعة ومتطلبات المرحلة وتركز جهودها وطاقاتها على محاربة جيوب الردة وتحقيق أهداف الثورة من قلع جذور الفساد إلى الحرية والكرامة والمساواة الاجتماعية.
أختم بنبرة أمل في أجمل أبيات محمود درويش عن أمل الإنتصار:
فرحا بشيء ما خفيٍّ، كنْت أَحتضن
الصباح بقوَّة الإنشاد، أَمشي واثقا
بخطايَ، أَمشي واثقا برؤايَ، وَحْي ما
يناديني: تعال! كأنَّه إيماءة سحريَّة ٌ،
أَعطنا، يا حبّ، فَيْضَكَ كلَّه لنخوض
حرب العاطفيين الشريفةَ، فالمناخ ملائم،
والشمس تشحذ في الصباح سلاحنا،
من لم يحب الآن في هذا الصباح
فلن يحب محمود درويش
من لم يحب تونس اليوم، فلن يحب
نموت نموت ويحيى الوطن
أيوب المسعودي
كونوا
في الموعد غدا الإثنين 15 أوت 2011 مع الاتحاد أو مع المحامين أو مع الإثنين
Follow Us