Ayoub Massoudi
من سيواجه من؟
الجزء 1 من 2
06 نوفمبر 2012
أيوب المسعودي
لم يهتد، في رأيي، المتابعون والمحللون للشأن السياسي التونسي إلى غور ما تعيشه تونس منذ اندلاع ثورة 17 كانون/ديسمبر 2010 وتجلياته في ما جد منذ أيام في تطاوين وحديثا في دوار هيشر. إن دوامة العنف التي نعيشها بكل تمظهراتها المادية والسياسية والمعنوية، في كامل تراب الجمهورية دون إستثناء، هي في حقيقة الأمر نتاج خطاب ماضوي يؤثث الفراغ الفكري والسياسي والتنظيمي الذي طبع ومازال سيرورة الثورة المتأثرة بتحرك النخب وخطابها المفتقر إلى الوعي القيادي والرؤية الاستراتيجية (وأقصد هنا ب”النخب” الحكام الجدد والمعارضة الجديدة). حالة “الفراغ الثوري” هذه ميزت مرحلة ما بعد الثورة وأدت إلى التباين والتمايز بالعنف بكل أشكاله حسب مقولة “التدافع” المقيتة التي أدخلها شيخنا المبجل قسرا على تاريخ وطننا العظيم، ذلك التاريخ الذي لمع لقرون بالإسلام المتنور والفكر والانفتاح والإبداع. فمن المسؤول عن هذا العنف؟ وهل نحن ماضون إلى مواجهة؟ وإن كنا كذلك فمن سيواجه من؟ وهل نملك وسائل توجيه المواجهة لصالح الثورة؟
1- من المسؤول عن هذا العنف؟ : التهميش، الخطاب التحريضي، خراب العقليات وتدجين المؤسستين الأمنية والقضائية
اعتادت “النخب” والشارع التونسي معها نسب العنف “الظاهر” إلى الشباب “السلفي” المنساق وراء المد الوهابي أو التحريض “التجمعي” الخفي أو، في أحسن الحالات، إلى “تجاوزات” من رجال الأمن. لا يخلو هذا الخطاب، وإن حمل في طياته جزءا من الحقيقة، من الإجحاف المضمر لنوايا التلاعب بالعقول عند البعض والكسل الفكري عند البعض الآخر. ذلك أن الشباب السلفي كما رجال الأمن هم ضحايا سياسة المناورة والخداع التي تنتهجها حكومة الترويكا بكل براعة. المناورة والخداع هو كل ما تبقى لحزب أفلس سياسيا بعد أن راهن على أعداء الثورة من بارونات التجمعيين الانتهازيين وقوى المال الداخلي الفاسد والقوى الخارجية المتربصة بالثروات والديمقراطيات العربية.
الشباب “السلفي” المهمش
فأما عن الشباب “السلفي”، وبعيدا عن خطاب الشيطنة الذي تنتهجه بعض النخب في توصيفها لهذا التيار ناعتة إياه بالظلامية والرجعية والعمالة، وبمنأى عن خطاب المغازلة والمهادنة لبعض من يتوددون للسلفيين خوفا أو طمعا استعدادا لاستحقاقات انتخابية مقبلة، أرى أن الشباب السلفي هو من ضحايا فشل الأنظمة المتعاقبة، بما فيها حكومة الترويكا، في إخراج هذا الشباب (وجله من الأحياء الشعبية المهمشة) من بؤرة الفقر والبطالة والتهميش. الشباب السلفي لم يأت من المريخ بل هو نتاج فشلنا الجماعي (حكومة ومعارضة وشعبا) في احتضان هذا الشباب التائه وتشريكه في بناء الوطن على أساس إعادة توزيع الاعتبار والثروة والسلطة ويقتضي ذلك أيضا إقحامه في مرحلة التأسيس من كتابة الدستور إلى وضع مؤسسات الديمقراطية التشاركية جهويا ومحليا.
وبدل أن تتحول الأحياء الشعبية إلى خلايا نحل للعمل والبناء والإصغاء، انسحبت الدولة فاسحة المجال للمال والعصابات الوهابية التكفيرية لمزيد عزل الشباب وترسيخ عقلية الحاكمية التي تعمق عزلة الشباب “الثائر” على مجتمع “كافر” أقصاه وهمشه.
من جانب آخر، استغلت قيادات النهضة بؤس ويأس هذا الشباب “الثائر” لتغطية عجزها عن حلحلة مشاكل الشباب من السلفيين وغيرهم بمزيد تأليبهم على جزء من المجتمع وإيهامهم بأن “الحداثيين” و”اليساريين” و”العلمانيين” في الإعلام والأمن والجيش والمعارضة هم الأعداء وأصل الداء. هذه الاستراتيجيا العرجاء أثبتت نجاعة نسبية في طور أول لما سمحت باختلاق قضايا ثانوية حادت بالثورة ونخبها عن الاستحقاقات الأصلية. إلا أن تضافر الخطاب التكفيري التحريضي لقيادات النهضة وفشل الحكومة في معالجة أصل الداء من فقر وبطالة وتهميش للأحياء الشعبية والمناطق الداخلية زاد في تعميق الصدام وتفجير أزمات اجتماعية على أكثر من جبهة انطلاقا من سيدي بوزيد وصولا إلى قابس والقصرين وجربة وسليانة… كما أن ازدواجية خطاب الحركة ونفاقها السياسي (بخصوص مسألة التنصيص على الشريعة كمصدر أساسي للتشريع مثلا) سرعان ما أفقدها مصداقيتها وشروط تحالفها مع طيف من السلفيين الذين أعلنوا العصيان والخروج عن طاعتها.
تلاعب النهضة بعقول هذا الشباب التائه بوضعه في أكثر من مناسبة في واجهة معاركها مع خصومها دون نية صادقة للاستجابة لمطالبهم المكلفة سياسيا أدى إلى خروج هذه التيارات عن حيز الفعل المتاح لها بالهجوم على سفارة أعتى الدول في تونس (سنأتي إلى المسألة الأمنية وتواطؤ بعض القيادات الأمنية في هذه القضية لاحقا). هذا الانفلات أفقد الحركة مصداقيتها أمام الحلفاء الخارجيين وعلى رأسهم أمريكا التي بدأت تبحث عن بدائل ما جعل الحركة تدخل في تململ وصراعات داخلية وتخبط يائس للبحث عن حلفاء جدد يوفرون لها الدعم المالي من سيولة لازمة لتنفيذ ميزانية بقيت حبرا على ورق. لقد أدخلت النهضة البلاد في مأزق جعلها مستعدة، من أجل الحصول على بعض السيولة، لتحويل تونس إلى مخبر تجارب لاستخراج واستغلال الغاز الصخري الذي أجمع العلماء والسياسيون على مخاطره في تعد سافر على سيادة البلاد وسلامة العباد. هذه حقيقة قذارة سياسات النهضة ولا يمكن فهم ديناميكية علاقة الحركة بالتيارات السلفية دون التطرق إلى الجانب الاقتصادي والاجتماعي وحقيقة المشروع النهضوي، مشروع سلطوي تسلطي لا يمت للثورة والإسلام بصلة. مشروع يبيح التلاعب بالعباد والبلاد، مشروع يبرر كل الوسائل للوصول إلى المبتغى: تأبيد الحكم والتفرد بالثروة.
الخطاب التحريضي
المسؤولون عن العنف هم قادة أحزاب عميلة تهيمن على المشهد السياسي والإعلامي، وهما نداء تونس وحركة النهضة وأتباعها في الحكم بالأساس، بقوة المال والحلفاء الداخليين والخارجيين المعادين للثورة، دون أن تكون لهم مشاريع اقتصادية أو اجتماعية لتونس وللتونسيين. إذ لا معنى ل”الاستقطاب الثنائي” الذي صدعوا به رؤوسنا ليوهمونا بتنافس مزعوم هو في حقيقة الأمر “تدافع” على الكرسي بين حزبين محافظين اقتصاديا. النداء والنهضة حزبان ينزعان إلى الحفاظ على مصالح الحلفاء (الداخليين والخارجيين) والإبقاء على نفس المنظومة الاقتصادية التابعة والعميلة التي لا تتوانى عن بيع مقدرات الوطن وثرواته بأبخس الأثمان ولو على حساب السيادة والأمن وصحة وسلامة التونسيين… لا لشيء إلا لتأبيد الحكم بالنسبة لحركة النهضة أو لعودة التجمعيين إلى السلطة من الشباك، بعد أن كنسهم الشعب من الباب، بالنسبة للنداء.
غياب المشاريع والبرامج لدى هذه الأحزاب (أحزاب الترويكا والنداء) أدى إلى طغيان العنف بكل أشكاله خطابا وفعلا وتحويل التباين والتمايز السياسيين والجدل الفكري إلى الشوارع لتتحول إلى ساحات وغى وإلى المنابر الإعلامية للاحتراب أو التراشق بالسباب والتكفير المتبادل استعراضا للقوة والقدرة على التعبئة. إذ ما الفرق بين تكفير بعض المحسوبين على التيار السلفي لقيادات سياسية وتشكيك السيد الباجي قايد السبسي في إسلام راشد الغنوشي؟ ما الفرق بين عنف ما نسب لكمال لطيف مع زمرة من الخونة في بعض أجهزة الدولة وما يخطط له راشد الغنوشي ضد الدولة وأركانها من أمن وعسكر وإعلام كما صرح به هو بنفسه في إحدى التسجيلات المسربة؟ ألا يحمل كلام السيد محمد عبو ، أمين عام أحد أحزاب الترويكا الحاكمة، المتوعد بنصب المشانق لكل من تخول له نفسه محاولة إسقاط الحكومة يوم 23 أكتوبر 2012 عنفا وتحريضا خطيرين؟ كيف تعاملت الحكومة مع أحد قياديي حركة النهضة الذي دعا في أحد الاجتماعات التعبوية إلى ضرب “الإعلام” مع كل ما يحتمله هذا الخطاب المبهم من إمكانيات التأويل ليصل إلى حد التحريض على الاعتداء المادي للإعلاميين؟ ثم ما الفرق بين عنف مضمون التسجيل المسرب للسبسي في اجتماعه بالجبالي وخصوصا في جزءه المتعلق بالسيدة سهام بن سدرين وعنف ما جاء في الكلام المسرب للشيخ الغنوشي والذي يشكك في ولاء المؤسستين الأمنية والعسكرية ويقسم فيه المجتمع إلى إسلاميين “مسلمين” وعلمانيين قبلوا “على مضض” التنصيص على الإسلام كدين للدولة (مع أن هذا التنصيص موروث عن دستور 1959)؟ ألا تكمن ذروة العنف في منح تأشيرة العمل السياسي لحزب النداء التجمعي من طرف حكومة “الثورة” ليتسنى لمنخرطيه الاجتماع والتجمع ويسهل بذلك لميليشيات الترويكا تحديد هوية قيادات المنافس ومكانها والانقضاض عليها وتصفيتها؟ ليس أعنف من القتل إلا هول ما قرأناه على الشبكات الاجتماعية من شماتة بمصيبة مقتل أحد أبناء الوطن سواء كان من السلفيين أو من حزب النداء؟
لا يصح للسبسي إذا أن يتهم غيره بالعنف والتكفير وهو ينتهج نفس الأساليب وقد يخطط أو خطط لما هو أدهى وأشنع في اجتماعاته مع السفراء الأجانب وخلال صولاته وجولاته في العواصم الغربية، كما لا يصح للشيخ أن يتحدث عن الاعتدال ومدنية الدولة جهرا وهو يطعنها سرا عندما يلقي الخطب الدينية يكفر “العلمانيين” تارة ويحرض الشباب على “الإعلام” طورا.
خراب العقليات
ولكن جانبا كبيرا من هذا العنف يجد بذورا وأرضية خصبة في عقلياتنا (سلفيين أو غيرهم) المفتقرة للثقافة الديمقراطية التي تتطلب أولا وقبل كل شيء الوعي بالآخر وقبوله في علاقة جدلية تفرض أن الآخر ذات واعية ومفكرة لها الحق في الوجود والتعبير والرأي المخالف الذي يحتمل الصواب. من هذا المنطلق، على الشباب السلفي أن يبتعد عن العنف الذي يؤسس للخراب والدمار فلا يكون بعد ذلك دين ولا عمران. على الشباب السلفي كما النخب السياسية أن تدرك وتعترف بالديمقراطية كسقف موحد لكافة أبناء الوطن الواحد دون أي نوع من الإقصاء، تونس الدولة المسلمة العربية. وهذا يتطلب الابتعاد عن التقاذف بتهم العمالة والخيانة وشجب العنف المادي والمعنوي مهما كان مصدره. وعلى الدولة محاربة خراب العقليات وتصحر الفكر أولا برد الاعتبار وتعصير المؤسسة التعليمية العمومية والمجانية المكرسة لقيمة العلم والعمل والمثبتة للهوية العربية الإسلامية المنفتحة، وثانيا استخدام العنف المشروع بلا هوادة لضمان علوية القانون وحماية سقف الديمقراطية وسلمية التعايش والتباين والتمايز السياسيين على أساس المجادلة الفكرية لا العنف، وهذا يتطلب مؤسسات أمنية صلبة ومتينة تعمل بمنأى عن كل التجاذبات السياسية المحيطة.
هشاشة المؤسستين الأمنية والقضائية
لقد ورثت الترويكا نظاما سياسيا قمعيا استبداديا قائما على الزبونية وتدجين مؤسسات الدولة لإخضاعها لإرادة الحاكم ومصالحه ومصالح ذويه والمقربين منه، ولم تسع يوما إلى كسر تلك المنظومة أو إصلاحها أو تغييرها وإنما حرصت على استغلالها وتوجيهها لصالحها لتأبيد حكمها وضم أكبر عدد من رجالات العهد البائد إلى العهد الجديد، عهد حكم النهضة.
لم تستثن المؤسسات الأمنية (الداخلية والعسكرية) من سياسة التدجين هذه ولنا في قضايا تسليم البغدادي المحمودي وتداعياتها (تلويح رئيس الجمهورية بالاستقالة ثم قضية رشيد عمار ضدي شخصيا ثم حكم المحكمة الابتدائية ببطلان إجراءات التسليم بعد أن سبق السيف العذل) وقضية كل من وليد زروق (كاتب عام نقابة أعوان السجون والإصلاح) وعصام الدردوري (كاتب عام نقابة أمن المطار) خير دليل على حالة الانحطاط المؤسساتي الذي تشهده المؤسستان.
فأما بخصوص المؤسسة العسكرية، فقد خذلت القيادة العليا لهذه المؤسسة الوطنية (مع تنزيهنا للمؤسسة) العقيدة التي تحكم المؤسسة العسكرية والقيم العليا التي تقود عملها وفلسفتها مما هز ثقة الجماهير في هذه المؤسسة العريقة. ففي موقع أول، مثلت طريقة تسليم البغدادي المحمودي خيانة للدولة من طرف كل من رشيد عمار وعبد الكريم الزبيدي ومن وراءهم أعضاء الحكومة (وزير العدل ووزير الداخلية ووزير الخارجية) الذين نظموا التسليم وشاركوا في إخفاء العملية عن رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة ورأس السلطة وممثل الدولة. وفي موقع ثان، مثلت طريقة إدارة القضاء العسكري لملفات شهداء الثورة وما اكتنف المحاكمات من غموض وتعتيم ومحاولات لتدجين القضية وإعدام للحقيقة عامل سخط وغضب لدى الشارع التونسي المغدور في ثورته ورموزها. أخيرا، لم تفلح دعواتي المتواضعة والمتكررة (http://jadal.tn/6524) للقضاء العسكري إلى النأي بالمؤسسة العسكرية عن التجاذبات السياسية والسقوط في الدور الرديء الذي تريد النهضة أن تلبسها إياه بتشريكها في تصفية الخصوم السياسيين. ولا مناص في هذا الإطار من ضرورة إلغاء القوانين الاستبدادية كالفصل 91 من مجلة المرافعات العسكرية الذي يكرس قداسة القيادات العسكرية ويضعها فوق طائلة المحاسبة والمساءلة والشفافية. ولعل خير دليل على الفساد الذي طال المؤسسة العسكرية كغيرها من المؤسسات ما جاء في تقرير المجلس الوطني للحريات بتونس حول التجاوزات التي اقترفها القاضي حسني العبروقي (الذي حقق معي في المرحلة الابتدائية)، حيث ورد في تقرير المجلس الوطني للحريات عن الفترة الممتدة من أفريل 2000 إلى ديسمبر 2001 ما يلي :
“في 18 أوت 2000، وبعد تعذيب تواصل عدة أيام بوزارة الداخلية، نُقل لطفي فرحات إلى ثكنة باردو حيث عرض على الملازم أوّل حسني العبروقي بمكتب التحقيق الذي لم يعلمه بأنّه يمثل أمام قاضي تحقيق عسكري و لم يبلغه بالتهم الموجّهة إليه و بحقه في تكليف محام، مثلما يقتضيه القانون، بل قدّم له محضرا جاهزا وطالبه بالإمضاء عليه دون إطلاع، و أمام تردّد المتّهم هدّده جهرا بإرجاعه إلى جحيم حصص التعذيب بوزارة الداخلية.
و رفضت هيئة المحكمة العسكرية بتونس طعون الدفاع المقدمة بجلسة يوم 31 جانفي 2001 حيث جاء بنص الحكم : “و حيث أنّ ما أثاره المتهم لطفي فرحات و سانده فيه لسان الدفاع بشأن تعرّض الأوّل في الذكر للتعذيب من طرف الباحث مردود عليهما إذ أنّه لم يسبق للمتهم أن أثار ذلك عند مثوله أمام قاضي التحقيق فضلا عن عدم معاينة ذلك عليه من طرف هذا الأخير خاصة و قد مكنه المشرع صلب مجلة الإجراءات الجزائية من حق طلب العرض على الفحص الطبي لإثبات تعرضه للعنف من قبل الباحث في صورة حصول ذلك غير أنّ المتهم لم يطلب ذلك””
وأما بخصوص قوات الأمن الداخلي، فقد حرصت الحكومة على استعمال نفس رجالات العهد البائد الذين امتهنوا التجسس على التونسيين في الشارع والمنازل والسجون، فقامت بترقية مديري السجون ممن أشرفوا على تعذيب المساجين السياسيين (كشاكر العاشوري مثلا، مدير سجن الكاف في عهد المخلوع والذي تم تعيينه من طرف الترويكا مديرا لسجن المرناقية، والذي أشرف شخصيا على تعذيب المناضل عبد الرؤوف العيادي بين 2005 و2007).
تدجين وزارة الداخلية يمر كذلك، في عهد النهضة، عبر الاختراق الأيديولوجي، حيث أن آلاف التعيينات في سلك الأمن تتم على أساس الولاء الحزبي ولعل من أخطر هذه التعيينات هو تعيين وجوه معروفة بولاءها للحزب الحاكم على رأس مراكز تكوين الإطارات الأمنية وما يعنيه ذلك من مخاطر الأدلجة والتوجيه لعمل رجل الأمن مما يحيد بالمؤسسة الأمنية عن طريق المأسسة الجمهورية.
هذا التدجين يمر أيضا بالتضييق على النقابات الأمنية إما بالترغيب عبر الإغراءات والترقيات لإخضاع بعض النقابيين أو محاصرة العمل النقابي وضربه عبر التتبعات العدلية والعقوبات الإدارية التعسفية لكل من تخول له نفسه الصدح بالحقيقة وانتقاد عمل الوزارة وكشف مواطن الخلل.
يمر التدجين أيضا عبر الإبقاء المتعمد لحالة الفراغ القانوني الذي يشكو منه عمل أعوان الأمن الذين غالبا ما يخضعون للتعليمات الغامضة في أحسن الأحوال والمتضاربة والاعتباطية في أسوءها، مما يجرهم إلى الاجتهاد والارتجال في التدخلات وفي حماية المواطنين والممتلكات الخاصة والعامة وخاصة في حماية أنفسهم. هذا الفراغ القانوني وما ينجر عنه هو مصدر التجاوزات التي غالبا ما يقدم فيها رجل الأمن ككبش فداء في آخر المطاف. كما أن الإبقاء على سياسة الفراغ القانوني والتعليمات هي التي سمحت في الماضي ومازالت للسلطة التنفيذية باستغلال رجل الأمن وتطويع وزارة الداخلية لخدمة المآرب السياسوية للحزب الحاكم.
في الجزء 2 :
2- هل نحن ماضون إلى مواجهة؟
3- من سيواجه من؟
Publié par Ayoub Massoudi sur Facebook
Follow Us