العياشي الهمامي
ينقسم الشعب التونسي الناخب بين مرشّحين سيكون أحدهما ماسكا بجزء من السلطة طيلة الخمس سنوات القادمة أو يكون الآخر ماسكا بجميع السلط طيلة نفس المدّة .
أنا لم أتعوّد على الحياد، كنت دائما مستقلاّ تنظيميا لكن لم أكن يوما محايدا، أراني اليوم مدعوا لتوضيح موقفي الانتخابي داعيا أصدقائي وكلّ قرّاء هذا النصّ إلى التمعن فيه عساه يساهم في رفع لبس وإنارة سبيل.
نجد أطرافا سياسية حسمت موقفها بالسلب، يقول زعماؤها لن ننتخب المرزوقي وكفى! (أحزاب الجبهة الشعبية مثلا) أو لن ننتخب الباجي وكفى! ( التكتل والجمهوري مثلا)
ونجد حزبا لا موقف له وكأنّ الإنتخابات تجرى في كوكب آخر(النهضة) في حين يعلم زعماؤه أنّ كلّ الناس يعلمون أنّ قواعدهم تميل بكثافة للمرشّح المرزوقي.
يقول مظفّر نواب، الشاعر الذي ينبذه كلّ حكام العرب وجزء كبير من الساسة العرب من اليسار واليمين والذين يحبون الوسط: “يقتلني نصفالدفء… ونصف الموقف أكثر”. ولأني اخترت عن وعي وطواعية الدّفاع عن بناء الدولة الديمقراطية الجديدة، أجدني مسؤولا عن اختياري بوجوب اتخاذ الموقف كاملا لا نصف الموقف ، التصويت للمنصف المرزوقي.
لماذا؟
لم أكن يوما من أنصاره أو أصدقائه المقربين ولي على سياسته طيلة السنوات الماضية عديد الاعتراضات وفي المرّة الوحيدة التي وجدت نفسي في علاقة مباشرة معه وأنا عضو في الهيئة العليا لحقوق الانسان والحريات الأساسية قاطعت بعد أشهر قليلة هذه الهيئة وجمّدت نشاطي صحبة تسعة من أعضائها احتجاجا على رئيس الهيئة وعلى رئيس الدولة المرزوقي الذي وعدنا بإصلاحها ولم يفعل شيئا.
نحن اليوم في وضع ديمقراطي هشّ، وبعكس ماكتبه الأستاذ عياض بن عاشور لتبرير مساندته للباجي من أنّ عودة المنظومة القديمة مستحيلة, فأنا مقتنع أمام نتيجة الانتخابات التشريعية وفي حالة فوز الباجي قائد السبسي بالرئاسة، أننا أقرب إلى عودة المنظومة الشمولية من ترسيخ الانتقال نحو الديمقراطية.
الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية وعدد من نواب آخرين في حزبي المبادرة والاتحاد الوطني الحرّ يملكون الأغلبية في المجلس التشريعي(إضافة إلى أنّ حزب النهضة لا حدود عنده في التلوّن وبإمكانه حين يرى”مصلحة” أن يتماهى معهم)
الباجي مرشّح المبادرة وآفاق ونداء تونس وهو كذلك مرشّح حزب حامد القروي وكلّ الأحزاب التي فرّخها التجمّع وجميع وزاراء بن علي الذينعادوا إلى الساحة السياسية والذين يتربصون للعودة عند انتصار الباجي.
لا يوجد مسؤول تجمّعي واحد لا يساند الباجي.
لا يوجد مسؤول تجمّعي واحد يساند المرزوقي .
أغلب الأحزاب التاريخية المناضلة ضدّ بن علي أعلنت رفضها انتخاب الباجي ( الجمهوري- التكتّل) أو رفضت الدعوة للتصويت له (أحزاب الجبهةالشعبية)
سوف يكوّن نداء تونس الحكومة وسوف يسنّ المجلس التشريعي الذي يتحكّم في أغلبيته نداء تونس والأحزاب المتحالفة معه القوانين وإذا حصل علىرئاسة الدولة سوف يتحكّم كليّا في كلّ مفاصلها.
“كلّ سلطة تميل إلى الاستبداد إذا لم تجد أمامها سلطة مضادّة “
ونحن اليوم أمام واقع وهو نجاح نداء تونس ومن معه فيالسيطرة على الحكومة والمجلس التشريعي فلماذا نزيده الرئاسة؟
هل نحن منفصمي الشخصية ونحب تعذيب أنفسنا؟
المنطق السليم أن لا نترك كلّ السلطة في يد حزب واحدخاصّة إذا كنّا نعلم أنّ جزءا هاما إن لم تقل أغلبية إطارات وقادة هذا الحزب فيالعاصمة وخاصّة في الجهات الدّاخلية هم من أجهزة المنظومة القديمة بحزبها وإدارتهاورجال أعمالها وشرطتها وتلفزاتهاوإذاعاتها وجرائدها… وخاصّة إذا تذكّرنا أنّ زعيم هذا الحزب والقادم على الرئاسةيفتخر بأنّ مثله الأعلى هو الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة !
نتذكر جيدا فضائل الزعيم ورجل الدولة بورقيبة( التعليم- المرأة – الصحة-) لكن هل نسينا من هو الرئيس الحبيب بورقيبة في علاقته بالسلطة، برئاسة الدولة هل نسينا أنّه مسح كلمة انتخابات رئاسية من الدستور وفرض الرئاسةمدى الحياة! هل نسينا كيف كان تشبثه المرضي بالرئاسة حتى شيخوخته هو الذي أنجبالعاهة المستديمة بن علي ؟ هلفقدنا كل حسّ نقدي حتى نتذكّر فضائل بورقيبة وننسى عيوبه القاتلة؟
في روايته المبدعة أولا حارتنا، يختم نجيب محفوظ كلّ فصل بالجملة المتحسّرة التالية: “ولكن آفة حارتنا النسيان “.
هل ننسى أنّ هذا المترشّح ليحكم تونس يتقدّم إلى رئاستنا بعد حصول ثورة كان وقودها شباب عرّضوا صدورهم للرصاص في تتويج إنفجاري لمسار نضالي خاضته أجيال من المناضلين طيلة عقدين من حكم بن علي كان سلاحهم فيها الكلمة الحرّة والضمير الحرّ. هل تفوّه هذا المتقدّم ليحكمنا بكلمة حرّة واحدة طيلة العقدين ؟!
هل يملك في رصيده وهو المحامي أمام المحاكم التونسية مرافعة واحدة في قضية سياسية أو نقابية أو حقوقية وقد أحيل الآلاف على القضاءوصدرت أحكاما ظالمة لا تحصى ولا تعد؟ هل حضر اجتماعا واحدا لجمعية تونسية تطالب بالحرية أو أمضى عريضة أو نصّا يدين فيه خرقا لحقّ من حقوق الانسان التونسي؟
ما كان لهذه الأسئلة وغيرها أن تطرح ولو لم يكن اليوم راكبا على أعناق مسؤولي التجمّع، متقدّما إلى رئاسة الشعب التونسي وكأنه كان في طليعةا لنّضال ضدّ الاستبداد.
هل رئاسة شعب تونس تتويج لمسار أم استيلاء على أرض مستباحة؟
هل تونس أرض مستباحة؟
منذ عاد من سباته الشتوي السياسي الطويل في مارس 2011حسبت له على الأقلّ عشر” زلاّت لسان” تكشف كلّها حقيقة علاقته الفصامية بالديمقراطية وخاصّة بحريّة الصحافة.
الديمقراطية عند الباجي قائد السبسي وأغلب الأطراف التي تسانده ضرورة نصبر ونصابر عليها في انتظار أيام أفضل لذلك تبرز بين الحين والآخرالطبيعة الحقيقية المكتومة فتخرج من بين ثنايا خطاباته كالوجه القبيح ينزع عنه قناعا يكتم أنفاسه سرعان مايرجعه خشية كشف بشاعته.
يدفع بعض الديمقراطيين كلّ هذه الأسئلة والمخاطر بأن المجتمع المدني لن يسكت أمام أي إنتهاك محتمل للحقوق والحريات من طرف الرئيسالباجي قائد السبسي وسيقف للنضال في وجهه كما وقف أمام بن علي وقبله أمام بورقيبة.
لماذا نترك بلادنا وشعبنا يعود مرّة أخرى إلى مربّعالصفر؟ لماذا نعيش التاريخ بالدوران والعودة حيث كنّا كلّ مرّة خلنا فيها أننّاتحرّرنا؟
- خوفا منالمرزوقي! المرزوقي سيعيد إلينا النهضة وسيعزّز السلفية الجهادية.!
كيف سيقدر المرزوقي على ذلك ولو أراد. سيكون رئيسا للجمهورية في حين ستكون الحكومة في يد نداء تونس ومن معه وكذلك المجلس النيابي والأمن…
لو اتخذ المرزوقي إذا صار رئيسا أي موقف معاد للحقوق والحريات لن يجد فقط المجتمع المدني ضدّه بل كذلك الحكومة والمجلس التشريعيوالإدارة والشرطة ورجال الأعمال والنقابات والإعلام بأصنافه.
سيكون أفضل للبناء الديمقراطي الهشّ أن لا تنحصر كلّ السلط في يد حزب واحد، فيكون رئيس الدولة ضامنا للحريّات لا مهدّد لها، فإذا صدر عن المجلس التشريعي مثلا قانون ينتهك حقّ من الحقوق سيتمكّن رئيس الدولة من ردّه وطرح الموضوع على الساحة الوطنية أمامالرأي العام بما يجعله فعلا سلطة مضادّة تخلق توازنا لا يتمكّن فيه طرف سياسي منالسيطرة وفعل ما يريد.
فإذا كان عزاء بعض الديمقراطيين في تصويتهم لمرشّح نداء تونسهو توفّر أدوات النضال ضدّه إذا نحى نحو الاستبداد فإنّ أدوات النضال أقوى وأكثر فعالية إذا كان المرزوقي رئيسا وإذا ما أخطأ فما أسهل أن نقف ضدّه خاصّة وأنّالأمن والسجون بيد الحكومة وليس بيده، فلتترك الحكومة القادمة فقط هامشا للحريةأما المرزوقي فلا خوف منه.
قال ناليون: “ربّي أعنيّ على أصدقائي أمّاأعدائي فإنّي أتكفّل بهم”
وأنصح أصدقائي الديمقراطيين الذين يعملون على فوز الباجي قائد السبسي بأن يتذكّروا جيّدا هذه المقولة لأنهم سوف يكتوون بنار”الأصدقاء” في الحكم حال دخولهم قصري باردو والقصبة أمّا إذا حازوا
paru sur le Maghreb le 3 decembre 2014
Follow Us